هذه الفكرة مستفادة من برنامج أغلال العقل لجمعية التجديد الثقافية، الحلقة السادسة والأربعون تقديم الشيخ أحمد العريبي.
القوامة من المفاهيم الجدلية، والتي تَسبّب سوء فهمها بظلم كبير لحق بالمرأة. وللأسف الشديد، فعوضا عن استقاء مفهومنا من المنهل الصافي الصحيح الذي هم القرآن الكريم، أخذنا تصوراتنا من المنظومات الذكورية والمستبدة، التي تعاملت مع المرأة بوصفها موضوعا جنسية أو كائنا بيتيا. مفردة “قوّام” على وزن “فعّال” يستوجب الفعل والنشاط واليقظة لتجري في اتجاه واحد في تحقيق العدل. قمت قياما إذا نهضت بعد القعود أو الجلوس، ورجل قائم أو قيّم وقوام قام أو قاموا عليه: أي ثاروا عليه.
فما الذي تقول الآية الكريم “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ” (النساء 34)؟
إنها تتحدث عن التفضيل الذي بين الرجال، فهي تقول إذا ما أراد رجل أن يكون أفضل من بني جنسه من الرجال، فكيف يكون له ذلك؟
لو نتأمل مثلا في الآية 95 من سورة النساء سنجد تفصيلا: “فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا“، سنرى أنّ القرآن هنا يبيّن كيف يكون التفاوت وتكون الأفضلية بين الرجال من المسلمين، وذلك بمقدار “العطاء” منهم، أي بمقدار بذل الجهد او الانفاق من النفس والمال وعدم القعود عن الواجبات، وتحمله المسؤولية الكاملة تجاه من يشاطرهم الحياة، وبهذا البذل والعطاء و”القيام” يكون التفاوت. فالآية هنا تبيّن كيف يكون الرجل أفضل من بني جنسه من الرجال.
وآية القوامة تشرح كيف يمكن للرجل أن يكون أفضل من بني جنسه من الرجال في مسألة (الزوجية). فالباء في آية القوامة في “بما فضّل الله” هي باء الواسطة، وليست باء السببية. فيكون المعنى: الرجال قوّامون بالواسطة التي فضّل الله بها بعض الرجال على بعض، والتي هي بالإنفاق وتحمّل المسؤولية، لا بالقعود والتقاعس، أو لمجرد كونه من جنس الرجال.
وبعبارة أخرى: يتفاضل الرجال بعضهم على بعض بقدر التزامهم بدورهم في القوامة والانفاق وتحمّل المسؤولية. ولا يعني أبدا أفضلية أو تميّز للرجال على النساء بأي حال من الأحوال، أو أنّ الرجل هو حاكم المرأة أو رئيسها كما قال البعض، فليس هذا مراد أو منطوق النص القرآني أبدا.
أضف إلى ذلك فإنّ آية القوامة تتحدث عن العلاقة الزوجية بشكل خاص، فالقوامة محصورة في هذا الجانب فقط، ولا علاقة لها بولاية الرجال على النساء مطلقا. فالرجل يكون قوّاما حين يقوم بواجباته ومسؤولياته تجاه زوجته، وهو تكليف للرجال يحاسب عليه إن قصّر، وليس تشريفا أو تكريما للرجال كما حاول الكثيرين أن يفسروا الآية به.
القوامة مسؤولية الزوج تجاه زوجته، وهي مسؤؤلية يُحاسب عليها إن قصّر، وليست تشريفا أو تفضيلا لجنس الرجال كما تريد تمريره الرواية المكذوبة. معنى الآية اختصارا هو: الله تعالى قد فضّل الرجال القوّامين بالقسط والإنصاف مع نسائهم، على الرجال القاعدين المتقاعسين عن واجباتهم وتحمل مسؤولياتهم مع نساءهم. فالمفاضلة هي بين الرجال أنفسهم، وليس للرجال على النساء.
الرجال والنساء قوّامون بالقسط شهداء لله، متساوين في الكرامة الانسانية، ولا يتفضالون إلا بالتقوى.