سورة الأنعام .. ونقد تضخم المنظومة التشريعية والفقهية والرجالية
لقد قدّم الأستاذ جلال القصّاب بشكل موجز {هوية سورة الأنعام}. فسورة الأنعام – من خلال نموذج الأنعام – تنتقد منظومة التحريم التعسفي.
“قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” الأنعام 145
فالقرآن ينتقد ما حصل من تورّم للمنظومة التشريعية المتعسفة وتوغلها وتشددها للتحكم بتشريعات تسطو على كل المساحات الحياتية، فحتى الأكل المباح صار حراما؛ وهذه السيادة على الحلال والحرام، والهيمنة على ما هو شرع الله وما هو ليس شرع الله، هو أمر سعى القرآن لإزالته. لقد فعلت الكنيسة من قبل ذلك، حين بسطت يدها على كل شيء، السياسة والاجتماع والعلوم، فضلا عن كل مساحات الدين. ويُروّج اليوم لمثل ذلك المنطق بمقولة أنّ الله له في كل مسألة في الدنيا شرع. ولكونهم هم “المتخصصين” فهم المؤهلين لمعرفة هذا الشرع، وإيصاله إلى الناس، ولا تستطيع النفاذ إلى الله، إلا عبرهم، وعبر أفهامهم. وردّ الله تعالى على هذه النماذج – عبر نموذج سادة قريش – من خلال سورة الأنعام
لقد ظلّ النبي (ص) أربعين سنة قبل البعثة يعيش في رضوان الله، يعرف ما يفعل، يعرف الصواب والخطأ، يعرف ما يأكل وما يلبس وكل شيء، ولم يكن يعرف هذه الشرعة “الاحتياطية” الضخمة التي لم تبقى مسألة في الدنيا إلا وأسرفت في تفاصيلها وفروعها وشروطها. كما بقي المسلمين ١٣ سنة في مكة يصلون صلاتين فقط، ركعتين في النهار، وركعتين في المساء، ولا يعرفون شيء من كل تلك الفروع المتضخمة، ولم يكونوا يعلمون كل هذه الشرعة الرجالية والفقهية ولا احكامها الاحتياطية ولا عقائدها الكلامية، التي تضخمت كإنفجار نووي، واستتبعت خصومات مذهبية وصراعات رجالية وفتن كثيرة.
لم يكن عندهم إلا توحيدهم لله بصدق وإخلاص، وإيمانهم بصدق رسوله (ص)، وإيمانهم بمعاد وحساب كلازمة لغاية الوجود، وعملهم الصالحات، وصبرهم على الحق وفق منظومة القيم الإنسانية والأخلاقية، وكان هذا كافيا لأنّه هو جوهر الدين الذي خُنق اليوم تحت ركام هائل من الفروع والتشريعات والأحكام، تلك التي تضخمت عبر الزمن، وأخذت مكانا أكبر بكثير مما ينبغي.