من هم الكهنوت؟

هنا أضع خصائص واضحة ومعايير جليّة، لتمييز (الكاهن) من العالِم الحقيقي، مستوحاة من حلقتي جمعية التجديد (علماء لا كهنة) للأستاذ عيسى الشارقي. 
إن العالِم (المجتهد) هو الذي ينتج علمًا ينفع الناس به، بما يسهل عليهم حياتهم فيما هو أقرب لكتاب الله وسيرة الرسول (ص) بينما الكاهن هو من يحتكر الدين فيجعل قوله دينا، ويحجر على العقول أن تقبل منه وترد عليه!
الكاهن من يجعل علاقتنا به تشبه علاقتنا بآبائنا حين طفولتنا أي علاقة تنشأ عنها تلقائيا روابط مفاهيم الطاعة والتبعية الواجبة وتلغي العقل عن التفكير واستعماله في كثير من القضايا الذاتية فبدلاً من أن يفكر الانسان لنفسه ويحدد مصيره وهويته وفقا لوعيه، تراه مستسلما تابعا ينتظر التوجيه.
الكاهن هو الذي اشترى نفسه بالاستعلاء على الناس كما فعلت الكهنة في الأمم السابقة، فصار لا يرى أنّ التطاول على غير المسلم فسادا بل صلاحا عسى أن يسلموا! هكذا لُبس الإسلام مقلوبا، والإسلام الذي هو السلام لم يعد كذلك.
العالِم هو الذي يعمل على إعادة تصويب علاقته بالناس، على أنه معلم مرشد واجبه {تمكين} الناس من عقولهم وحريتهم وقرارهم ليتدينوا بوعي ويفهموا إيمانهم بتبصر والكاهن يقول رأيا في الدين فيكون دينا واجبا اتباعه وتقليده والكاهن عنده القرآن بضاعة مزجاة، يقدم كل شيء من علومه وعقائده عليه.
الكاهن هو الذي ينبز غيره بلقب ما أو نعته بأوصاف ما، يحطّ من شأنه، ويشيع الفاحشة فيه، وتشويهه لمجرد أن اختلف معه عقائديا، مذهبيا، دينيا، علميا، فكريا، سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا.
الكاهن يكثر من الحكم على الآخرين بأهوائه وعقائده، وسوء ظنه، هذا كافر، وذاك منافق، والآخر فاسق، والآخر مارق مبتدع، فقط لأنهم خالفوه الرأي، أو خالفوا عقائده وعقائد مذهبه، ولكنه دائما يصوّر شدته على الآخرين أنها غيرة على الحق ونصرة للدين والمذهب.
الكاهن دائما يصوّر للناس أنّ تحرير الانسان أو المكلّف من قداسة قول العالِم، بإعطائه حق الحكم والنقد والتخيّر لدينه، أمرا مساوقا ومساويا للفوضى؛ ودعوة للعبث بقضايا الدين لكل من هب ودب.
الكاهن يخاف على دين الله من الدعاة لله وحده، ومن المنادين بالإصلاح وتصفية العقيدة مما علق بها من دنس، لأنه يظن أن الدين ملكا له فلا يخص أحدا بترميمه أو إقامته. فإذا كان دين الله هو للناس كافة (وهو كذلك وبلا شك) فالكاهن يزاحم الناس فيه ويدفعهم عنه، فهو يسطو على الدين وعلى الناس كافة.
العالِم ينطلق من الإسلام لأنه حضنا شاملا واسعا يسع كل الأديان والعقائد بينما الكاهن ينطلق من مذاهب ضيقة لا تسع نفسها كما ترى، إنها تنقسم على نفسها أكثر من مرة إلى فرق وطوائف متباعدة كأنه صيرورة قدر مكتوب عليها بل هو نتيجة حتمية كلما ابتعدت الأمة عن دينها كلما تفككت وتاهت عقول أفرادها
الكاهن يدعي ملكية دين الله والبيت الذي وضع للناس، لذلك هو ذو عقل سقيم مغشى بغمامات حالكة، تلك التي تفصله عن ربه، فهو يخرق – بغير حياء أو ضمير – خرق فاضح لأبسط معايير الإيمان بالله، فدين الله باق ولو اجتمعت عليه الإنس والجن، ولكن {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}.

Scroll to Top