من هو الشيعي؟ وما مفهوم الشيعة والتشيع قرآنيا؟

شُرح هذا المفهوم بشكل مفصّل في برنامج للتي هي أقوم لجمعية التجديد، تقديم الأستاذ جلال القصاب، في الحلقة رقم 49 بعنوان “وإنّ من شيعته لإبراهيم”
“وإنّ من {شيعته} لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم” – نموذج إبراهيم (ع) وقومه، و”ادعاء” التشيع لنوح (ع).
وفي هذا الشرح فرصة لكي نجعل من نموذج إبراهيم (ع) في {مشايعته} لنوح، مرآة نرى من خلالها واقعنا المذهبي ومساوئه. فالشيعة كاصطلاح تاريخي هو عنوان واسم للطائفة، ولكن ما هي الدلالة القرآنية للتشيع في قصة ابراهيم عليه السلام؟
الشيعي لغةً هو المتابع الموافق (باختياره وإرادته) لا المتابع تبعية عمياء وتقليدية وجمعية. فالوعي الفردي والإرادة الذاتية أصل وضرورة حينما تشايع {شخصا}، وهذا يناسب الاستعمال القرآني للفظة.
وهناك جهة لغوية أخرى تناسب هذا المعنى، لأنّ الجذر والنواة هو (شعّ)، وهو أن يشع المصدر الأول نورا، فيشيع في الأمكنة والازمنة (سلام على نوح في {العالمين}، وإنّ من {شيعته} لإبراهيم، ثم يقوى ذلك عبر الزمن من خلال رجال آخرين يتبنونه ويعتقدون به (بارادتهم الذاتية) ويكونون أشبه بمحطات تقوية.
فالشيعي: هو من يعيد (قولا وسلوكا) ما “شعّ” من مصدر، لا ما يظنه أو يتوهمه أنّه من مصادر أنوار اليقين بينما هو من الشيطان. والمعنى موجود في بعض الأحاديث الصحيحة كقول حفيد الرسول (ص) موسى الكاظم (ع): {إنما شيعة علي من صدّق قوله فعله}. فالشيعي (بالمفهوم القرآني) لا يطفأ أشعة من شايعه، ناهيك أن يكون موقدا نارا ضوءها لرجال غيرهم سرقوا اسماءهم ومنابرهم، وعينوا أنفسهم اوصياء على دين الله.
نعود للآية: ما معنى “وإنّ من شيعته لإبراهيم”؟ وكيف كان ابراهيم هو الشيعي الوحيد لنوح في قوم ادعوا التشيع والانتساب لنوح؟
لقد عرف إبراهيم ع حقيقة ملّة نوح منذ ليلة تأمله في السماء. فلقد كانت آثار نوح ع موجودة، ولكنها مطموسة وباهتة بآثار كثيرة أضيفت عليها بفعل وأثر الرجال على مرّ القرون حتى ضاع الأصل (تماما كما حصل مع آثار أهل البيت الحقيقية). والقوم الذين عاصرهم إبراهيم ع كانوا يدعون أنهم هم {شيعة} نوح، وممثلوه الشرعيين، وأنّ التراث الذي بين أيديهم هو من بركة تركة وآثار نوح، وأنهم امتداد واتصال بنوح عليه السلام، كما هو الحال في واقعنا اليوم تماما.
هذا كان هو الوضع الذي عليه إجماع العلماء آنذاك، وهو الإرث المقدس في نظرهم. ولقد كانوا يظنون أنهم هم المحبوبون والمودودن بحسب إله الحب {ود}، وأنهم كذلك مدى الزمان بحسب إله الزمان {سواع}، وأنهم مغاثون مرحومون منصورون بحسب إله الغوث {يغوث}، وأنهم مدفوع عنهم الأذى ومعوقة أعدائهم بحسب الإله {يعوق}، وأنهم مرعيون بعين السماء بحسب النجم الإله {نسر}.
فإذن فإنّه بحسب تراث قوم ابراهيم فقد كانوا يدعون أنهم هم {شيعة نوح}. لكنّ الوحي قلب المسألة، وثبّت أنّ إبراهيم (وحده) هو {الشيعي} الحقيقي لنوح، لا قومه. وهذا معنى “وإنّ من شيعته لإبراهيم” فإبراهيم عليه السلام كان حنيفا، فاكتشف سنةّ نوح (ع) من بين الركام، كما يمكن اليوم اكتشاف سنة محمد (ص) من بين الركام، عبر التمثّل بإبراهيم (ع) ومنهجه ودربه.
وفي زمن التنزيل كان محمد (ص) أمّة وحده، وهو من شيعة إبراهيم، لا من يدعون ذلك وهم كثر، كما كان إبراهيم أمة وحده من شيعة نوح “إنّ إبراهيم كان أمة” فمن هم اليوم شيعة محمد وآله الحقيقيون؟ سنعود لجواب هذا السؤال في نهاية الموضوع.
لقد طرأ التحريف على دين موسى وأعادوا صياغته حتى صار وبالا وعدوانا على الأمم، لدرجة أنّه حين خرج عيسى ع عليهم ليصححه، أفتوا بقتله وصلبه، عبر استخدام {الشرعية} فقال قيافا: “إنّه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها”.
تماما كما انتهى أمر إبراهيم ع حين قرروا أنّ قتله خير من أن تضلّ الأمة بأفكاره {البدعية} وحين دخل النبي (ص) مكة في الفتح رأى في جوف الكعبة صورة إبراهيم ع وقد رسموه شيخاً يستقسم بالأزلام! ونظر النبي (ص) وقال: قاتلهم الله جعلوه يستقسم بالأزلام، ما لإبراهيم والأزلام!؟
وعودا على الآية “وإنّ من شيعته لإبراهيم” فليس الموضوع أو المحكوم عليه او المسند عليه في الآية هو إبراهيم، لتحكم الآية على سؤال هل إبراهيم من شيعة نوح أم لا، لتقول بعد ذلك نعم هو من شيعة نوح، فهذا المعنى لا ينفي صفة التشيع عن قومه، بل أقصى ما يفعله هو إثباته لإبراهيم (ع). بينما مراد الآية نفي التشيع عن كل من سوى ابراهيم، وإثباته له وحده فقط، فالمحكوم عليه او الموضوع في الآية هو “من شيعة نوح” ليكون معنى الآية: إنّ من شيعة نوح إبراهيم {فقط}، لا قومه، أي حصر التشيّع لنوح (ع) بإبراهيم (ع) وحده.
فما لقوم ابراهيم ولنوح، وقد اعادوا الاوثان التي جادل ضلالتها نوح؟! وما لقريش وإبراهيم وقد أعادوا الأوثان التي جادل ضلالتها إبراهيم؟! وما للكهنوت المتعصبيين المذهبيين ومحمد آل محمد؟! إنهم بريئون منهم تماما.
وعودا على السوال: من هو الشيعي؟ هم كل الغرباء من أيّ ملة كانوا، أفراد يمارسون الحنيفية، يتأملون لينفون عن دينهم تأويل الغالين ويرفضون عقائد التوحش والتعصب، واحتكار الإله والشرعية والهدى والحق، والمتحررين من غرور الدين والذهب فهم من شيعة نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد واله، عليهم الصلاة والسلام جميعا.
“إنّ أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه” هذه الآية كاشفة عن واقع سنني تاريخي. إنّ الممثل الحقيقي لشرعية نوح هو المتمثل به منهجا وسلوكا – أي ابراهيم – لا الذي ينتسب اليه اسما، وهكذا في مكة، محمد ص لا قريش هو الممثل الشرعي الوحيد لإبراهيم عليه السلام، ويصدق هذا على كل ادعاءات التشيع عبر التاريخ. والتمثيل (التشيّع) هو عبر السلوك العملي، لا عبر الشعارات العريضة، فإبراهيم (ع) كان أمة، “إنّ إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين” فهذه الآية تجمع صفات (الأمة) المضغوطة في إبراهيم (ع)، فهو له: اتجاه صحيح ومبادئ خير (كان أمة)، وهو آمر وموجّه (قانتا لله) وكذلك له برنامج مستدام يتوخى الدوران مع الحق مهما تغيرت الظروف (حنيفا)، كما أنّه ليس له مشروع عدوان، ولم يخلق اتجاهات متنازعة (ولم يكن من المشركين).

Scroll to Top