هل الحكم بأنّ {شهادة} المرأة تعادل {نصف} شهادة الرجل حكما {مطلقا}؟

هذا المقال مستفاد من برنامج أغلال العقل لجمعية التجديد، الحلقة 44، تقديم الشيخ عبّاس النجّار
قالوا: المرأة {ناقصة عقل}، وجعلوا من أدلة هذا النقصان قولهم: أنّ شهادتها نصف شهادة الرجل، واستشهدوا بقوله تعالى: “وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى”
إنّ هذا توظيف خاطئ للآية، والدليل لا ينهض على إثبات المدعى، بل إنه قد ساهم ولا يزال في استنقاص المرأة، وقدراتها.
إنّ تعويض الرجل المفقود بالمرأتين لا علاقة له بنقص في عقل المرأة أو شهادتها، بل هي حالة خاصة بالشهادة المالية التاريخية المناسبة لبيئة ذلك الزمان، وظرف المرأة التاريخي غير المخالط للأمور التبادلية والمالية آنذاك، حيث لم تكن متعلمة ولا تعرف شئون المتاجرة بالأموال والاقتصاد، ولا تحضر موارد شئون الرجال بل ولا تسافر الا محفوفة بالمخاطر، فصارت – بسبب تلك الظروف الخاصة – شهادتها في ذلك الموضوع تحديدا بهذه الكيفية، لضمان عدم ضياع الحقيقة، في القضايا المالية التي لم تكن للمرأة دور فيها.
أمّا اليوم، ومع دخول المرأة هذه المساحات المالية وغيرها في المجتمعات، ووجود تقنيات تثبت الوقائع، فهل يوجد داعي أصلا لاعتبار شهادة المرأة نصف شهادة الرجال؟
لذلك فإنّ جعل شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، حكما مطلقا، هو أمر غير صحيح؛ فهذا الحكم كان تاريخيا ومرتبطا بظروف المرأة وقلة خبرتها في الشؤون المالية حين نزول القرآن الكريم. ولكل زمن ظروفه.
ثم هناك مجموعة ملاحظات إضافية ومهمة مرتبطة بهذا الموضوع:
أولا: حتى في هذا الموضوع الاستثنائي فإنّ ذلك ليس نقصا في عقل المرأة، فهل عدم قبول شهادة الرجل في قضايا العذرية والرضاع يعد نقصا في عقله؟ وهل عدم قبول شهادة الفاسق يعد نقصانا في عقله؟ والآية قد ذكرت شهيدين من رجالكم، فهل الواحد منهم ناقص عقل؟ وفي آية الزنا ذكرت أربعة شهداء، ولم نقل أنّ أحدهم ناقص عقل. بل لم يعيّن في آية عقوبة الزنا أن يكون الشهود رجال أو نساء!
ثانيا: التعليل الوارد في الآية للحكم “أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى”، والضلال ليس النسيان لأنه ذهاب الشيء إلى غير وجهته، وليس ذهاب الشيء بالمرة (كما في النسيان)، مما يدل على أنّ أصل الشهادة موجود لدى المرأة. وليس الأمر نقصا في العقل كما زعموا، وإنما قلة خبرة في الشؤون المالية (في ذلك الظرف التاريخي المحدد وليس مطلقا).
ثالثا: العلم أثبت أنّه لا فرق بين قدرات وذاكرة المرأة مقارنة بالرجل. كما أنّ الواقع أثبت أنّ مقدرة المرأة المتعلمة تساوي مقدرة الرجل المتعلم.
رابعا: الشهادة المطلوبة في آية الديْن أساسا هي ليست دينية، بل مالية، مما يعني أنه يمكن لشهود غير مسلمين أن يقوموا بها. فمعنى الشهادة هو الحضور ومعاينة الحدث وضبطه، كما في الشهادة في الوصية (اثنان ذوا عدل منكم أو آخران {من غيركم}) أي من غير المسلمين. فالشهادة لتوثيق الحقوق، وليست أمر تعبديا، وبالتالي متى ما توفرت المرأة على الوثاقة والخبرة اللازمة فإنّ الدين يستحيل أن يقف منها موقف الاستنقاص بعلمها وشهادتها.

Scroll to Top